بغداد – سدن سالم
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك لعام 2025، يشهد سوق المواشي في العراق ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، أثار استياء المواطنين وأربك حسابات الكثير من الأسر العراقية، التي باتت تجد صعوبة متزايدة في تأمين أضحية العيد، وسط ظروف اقتصادية متقلبة.
قفزات سعرية تفوق 50%
تشير جولة ميدانية لعدد من أسواق المواشي في بغداد والبصرة ونينوى إلى أن أسعار الأضاحي سجلت قفزات وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من 50% مقارنة بالعام الماضي. فقد بلغ سعر الخروف المحلي ما بين 400 إلى 500 ألف دينار عراقي، بينما تجاوز سعر العجل حاجز المليونين، وسط تراجع في حركة الشراء، وظهور بوادر على العزوف الشعبي عن الأضاحي.
أسباب متعددة تقف وراء الأزمة
يرى مختصون في الشأن الاقتصادي والزراعي بأن هذا الارتفاع لا يأتي من فراغ، بل يرتبط بجملة من العوامل المتداخلة، أبرزها:
1. الجفاف وشح الأعلاف:
يشكل الجفاف المستمر، الذي يضرب محافظات واسعة في العراق، العامل الأبرز في تقليص أعداد المواشي وزيادة كلفة تربيتها. فقد أدى تراجع مناسيب المياه وقلة المراعي إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وشحها، ما دفع الكثير من المربين إلى التخلص من مواشيهم مبكرًا أو التوقف عن الإنتاج نهائيًا.
2. تهريب المواشي وضعف الرقابة:
تشهد الحدود العراقية عمليات تهريب مستمرة للمواشي نحو دول الجوار، حيث الأسعار أعلى والعائد الربحي أكبر، وهو ما يقلص المعروض المحلي ويزيد الضغط على السوق الداخلية، في ظل ضعف الإجراءات الحكومية الرادعة.
3. غياب الدعم الحكومي:
يشكو مربو الثروة الحيوانية من انعدام الدعم الحكومي، سواء في تأمين الأعلاف أو تقديم اللقاحات والخدمات البيطرية. كما يفتقر القطاع إلى برامج حقيقية للتنمية والاستدامة، ما يترك السوق رهينة للمضاربات والعرض والطلب.
4. تداعيات ارتفاع تكاليف النقل والخدمات:
ساهم ارتفاع أسعار الوقود والخدمات اللوجستية في زيادة كلفة نقل المواشي من المناطق الريفية إلى الأسواق المركزية، مما انعكس على السعر النهائي للمستهلك.
الحلول الممكنة… هل تتدخل الحكومة؟
في ظل هذا المشهد المعقد، يدعو خبراء إلى تحرك حكومي عاجل لضبط السوق ومنع تفاقم الأزمة. وتتمثل أبرز الحلول المقترحة في:
• توفير الأعلاف بأسعار مدعومة وتوزيعها مباشرة على المربين في المناطق المتضررة من الجفاف.
• تشديد الرقابة على الحدود والأسواق لمنع التهريب والمضاربة غير المشروعة.
• إطلاق برامج تنموية خاصة بالثروة الحيوانية تشمل الدعم الفني والطبي، وتوفير القروض الميسرة.
• تشجيع الاستيراد المؤقت للمواشي لسد النقص في العرض وتخفيف الضغط على السوق المحلي، مع ضمان الجودة الصحية والشرعية للأضاحي.
مواطنون يشتكون وأصوات تطالب بالحل
يقول المواطن علي كاظم، وهو موظف حكومي في بغداد:
“كنت أشتري أضحية كل عام، لكن الأسعار هذه السنة غير معقولة، ولا يمكنني تأمين ثمنها من راتبي. سأضطر للمشاركة مع إخوتي في أضحية واحدة، إذا تمكنا من ذلك أصلاً.”
من جهته، يحذر الدكتور مازن السعدي، الخبير في الاقتصاد الزراعي، من أن “استمرار غياب التخطيط الحكومي سيقود إلى انكماش خطير في قطاع الثروة الحيوانية، ويفقد السوق العراقية أهم مصادر البروتين المحلي.”
الحمى النزفية قتلت المواشي والحل؟
في خطوة استباقية هدفها كبح الحمى النزفية قبل أن تطرق أبواب العيد، أعلنت اللجنة العليا لمكافحة الأوبئة في بغداد حظر دخول المواشي إلى العاصمة قبل 14 يوماً من عيد الأضحى.
القرار الذي جاء بالتنسيق مع دائرة البيطرة، يهدف إلى منح فرق الصحّة الحيوانية فرصة لتكثيف إجراءات الفحص والتطويق، خاصة وأن المواشي تُعدّ المصدر الرئيسي لانتقال المرض.
قسم الصحة الحيوانية أكد أن الإجراءات ستكون مشددة هذا العام، خصوصاً مع اقتراب موسم الأضاحي، حيث ترتبط “الكبائش” بتقليد راسخ لدى الحجاج والمضحّين في العراق.
وتظل أسعار المواشي في العراق مرآة لواقع اقتصادي وزراعي هش، تعصف به الأزمات من كل جانب. وفي الوقت الذي يقترب فيه عيد الأضحى، تتطلع عيون المواطنين إلى قرارات فاعلة تضع حداً للتلاعب بالأسعار، وتعيد التوازن إلى سوق الأضاحي، بما يكفل حق الفقير والغني في أداء هذه الشعيرة الدينية المهمة.