من الانتظار إلى اللامبالاة… كيف تغيّر موقف الناخب العراقي من الانتخابات؟

شارك الخبر

الأنبار- مصطفى صالح الزين

شهد العراق منذ عام 2005 وحتى اليوم عدة دورات انتخابية برلمانية ومحلية، كانت تمثل بالنسبة لشرائح واسعة من المواطنين فرصة للتغيير، وبداية أمل في إصلاح حقيقي على مستوى الخدمات والبنية التحتية والسياسات العامة. لكن المزاج العام للناخب العراقي تغيّر تدريجياً، متجهاً من حالة الترقب والرهان على صناديق الاقتراع، إلى حالة من الفتور واللامبالاة.

في العديد من المدن، لم يعد الحديث عن الانتخابات يتصدر المجالس العامة كما في السابق. فالكثير من المواطنين، لا سيما فئة الشباب، باتوا ينظرون إلى العملية الانتخابية بنوع من الشك، ويرون أن التجارب السابقة لم تحقق النتائج المرجوة.

يقول أحد المواطنين في حديث لـ”إنماز نيوز”: شاركنا في كل دورة انتخابية تقريباً، لكن الوجوه تتكرر، والنتائج نفسها… فما الفائدة؟”

هذه الحالة لا تقتصر على منطقة دون أخرى، بل تُرصد في معظم المحافظات العراقية، حسب مراقبين، وتُعزى إلى عدة أسباب أبرزها:
تكرار التجارب دون نتائج ملموسة:
-استمرار الأزمات الخدمية والمعيشية
-ضعف ثقة الشارع بالمؤسسات السياسية
-صعود خطاب المقاطعة كوسيلة للاعتراض

رغم ذلك، يشير مختصون في الشأن الانتخابي إلى أن “العزوف الجماعي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث ترتفع فرص القوى التقليدية في السيطرة على النتائج بفضل امتلاكها قواعد تصويتية ثابتة ومنظمة.

ويقول أحد المراقبين المحليين لـ”إنماز نيوز” : “عندما تبتعد الفئات الغاضبة عن التصويت، فإنها تفسح المجال لمن لديهم تنظيم سياسي أو عشائري أقوى، مما يُضعف فرص التغيير الفعلي.”

ومع اقتراب موعد الانتخابات العراقية المقررة في عام 2025، تزداد أهمية هذا الاستحقاق السياسي في ظل تعقيدات المشهد العراقي المتراكمة منذ سنوات. هذه الانتخابات لا تأتي فقط ضمن جدول زمني دستوري، بل في لحظة مفصلية تشهد فيها البلاد تراجعًا في ثقة المواطن بالمؤسسات، واستمرارًا في أزمات الحوكمة، وازدياد الضغوط الشعبية والاقتصادية.

وقال الخبير في الشأن الانتخابي محمد المسعودي إن” الانتخابات المقبلة تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة النظام السياسي العراقي على التجدد والإصلاح الذاتي من الداخل، بعد ما يقارب عقدين من التجربة الديمقراطية التي لم تلبِّ طموحات الشارع في مجالات الأمن، الخدمات، والعدالة الاجتماعية. وقد أثبتت التجارب السابقة أن الانتخابات بحد ذاتها لا تصنع التغيير ما لم تترافق مع إرادة سياسية حقيقية لتجاوز المحاصصة والطائفية، وتقديم مشروع وطني جامع.

وأضاف المسعودي لـ”إنماز نيوز” أن الانتخابات المقبلة تأتي في سياق إقليمي ودولي متغير، حيث تسعى قوى إقليمية ودولية إلى إعادة تموضعها في العراق، سواء عبر أدوات سياسية أو اقتصادية. ما يعني أن مخرجات هذه الانتخابات لن تؤثر فقط على الداخل العراقي، بل سيكون لها صدى في معادلات التوازن الإقليمي.

واكد ان” أهمية هذه الانتخابات لا تكمن فقط في من سيفوز بها، بل في مدى نزاهتها، وشفافيتها، وقدرتها على استعادة ثقة المواطن العراقي، خصوصًا الأجيال الشابة التي قادت احتجاجات أكتوبر 2019، والتي ما زالت تنتظر تغييرًا حقيقيًا.

من جانبها، تؤكد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أهمية المشاركة، وتعمل على إطلاق حملات توعية، خصوصاً في المناطق التي شهدت انخفاضاً في نسب التصويت خلال الانتخابات السابقة. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2021 كانت أقل من 44%، وهو رقم يعكس بوضوح حجم التراجع في الحماس الشعبي.

قد تكون الشكوك مبررة لدى كثير من الناخبين، لكن المعادلة الانتخابية لا تُحل بالمقاطعة وحدها. فالمشاركة الواعية، حتى وإن كانت محدودة، تبقى واحدة من أدوات التغيير السلمي المتاحة. والسؤال اليوم ليس فقط عن نسبة المشاركة، بل عن إمكانية استعادة الثقة بصوت المواطن ودوره في رسم مسار الدولة.