أبو طالب الزيدي – هنا أرض الرافدين ، واجه هذا البلد سلسلة من التحديات الأمنية التي تفاوتت بين الغزوات الخارجية، والصراعات الداخلية، والتقلبات السياسية. ورغم قسوة الظروف وتعاقب الأزمات، أثبت الشعب العراقي قدرة استثنائية على الصمود والتكيّف، محافظاً على هويته الوطنية وإرثه الحضاري. إن دراسة تاريخ العراق من منظور أمني تكشف عن سجل حافل بالمحن والمقاومة، وتُظهر كيف تشكلت الشخصية العراقية تحت ضغط الظروف الصعبة.
عرف بقوة شعبه وعسكره بالتنظيم والتكتيك والقوة والبسالة والصمود فهل كان كل هذا من فراغ؟
الدراسة العسكرية هنا محطة لصنع رجال بدم بارد يتدربون على شفا الموت للحفاظ على سيادة خالية من التدخلات الخارجية التي تهدد الأمن والاستقرار.
– الناصرية الكلية العسكرية الرابعة ،الأحد الموافق 18 أيار 2025، التحاق طلاب الدورة (89) وتدقيق أسمائهم وتوزيعهم على السرايا والفصائل.
لم يكن يوما عاديا بالنسبة للعراقيين ، قامت الدنيا ولم تقعد بعد انتشار خبر وفاة الطالب حسين السعدي من أهالي الكاظمية الملتحق حديثا بالكلية بعد ظهور بعض علامات الإعياء والتعب عليه وعلى عدد من الطلبة والبالغ (٩) طلاب نتيجة تعرضهم إلى أشعة الشمس مما تسبب بإصابتهم بالجفاف بحسب بيان الوزارة.
لم يمر الحادث مرور الكرام فقد تحول إلى قضية رأي عام خصوصا مع اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار من هنا وهناك تتعارض مع البيان الوزاري وتتناول أعدادا أخرى غير الـ(9) الذين ذكروا فبينهم من قال أن العدد كان (50) وآخر حدده بـ(32) إلا أن العامل المشترك بكل الروايات هو عمليات التعنيف المبالغ بها والتي وصلت حد الإذلال على حد قول الكثيرين. لم يمر وقت طويل حتى صدم الجميع بخبر أضفى للنار وقودا بعد انتشار خبر وفاة الطالب رضوان البيضاني من أهالي مدينة من نفس الدورة المشؤومة. وإن ما أشعل فتيل الغضب الشعبي ما نشر من مقابلات عدة لذوي الطلبة الذين يروون روايات تخرج عن إطار التدريب إذ أن تركهم بدون ماء وتحت أشعة الشمس الحارقة لمدة 8 ساعات دون رحمة يعد أمرا غير مقبول خصوصا وإنهم جدد وكان استقبالهم بهذه الشاكلة مع روايات أخرى تحكي تعذيبا أكثر وأشد قسوة وصل إلى الضرب والتذليل على حد قول ذويهم ناهيك عن مقاطع الفيديوية التي نشرت في السوشيال ميديا والتي وثقت طرق النقل البدائية التي تم بها نقل المصابين والتي أثارت الشارع أكثر.
وبعد الأحداث التي ذكرت أصدر وزير الدفاع ثابت محمد سعيد العباسي، قراراً بإقالة عميد الكلية العسكرية الرابعة، وآمر الفوج المختص من مناصبهم نتيجة التقصير والإهمال.
ويعود هذا لنا بالذاكرة إلى محطات عدة تم التأكيد عليها بعد البحث والتمحيص وتأتي بالترتيب الزمني كالتالي:
– سبتمبر 2018، أُصيب 13 طالبا بجروح متفاوتة نتيجة انفجار صاروخ عرضي أثناء التدريب في الكلية العسكرية الرابعة بذي قار .
– مايو 2022، لقي أربعة طلاب من الدورة 85 مصرعهم وأُصيب خامس بجروح خطيرة إثر انقلاب مركبتهم أثناء توجههم للالتحاق بالكلية العسكرية في ذي قار .
– أكتوبر 2023، توفي طالب من ديالى في الكلية العسكرية ببغداد نتيجة فشل كلوي ناجم عن ضغوط التدريب، وكانت هذه الحادثة الثانية من نوعها خلال ذلك الشهر .
– 25 نوفمبر 2023، توفي الطالب كرار أحمد ناصر أثناء تدريب تسلق الحبال في الكلية العسكرية الرابعة بالناصرية، بعد أن أُغمي عليه وسقط أرضا مما أدى إلى وفاته في المستشفى .
وفي العودة إلى حدث الساعة قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت لـ”إنماز نيوز”: إن اللجنة ستباشر بجمع المعلومات والحقائق بداية الأسبوع المقبل وإن المعلومات الأولية تشير إلى وجود خطأ في استقبال الطلبة من قبل الكلية العسكرية الرابعة.

أما عن قرار إقالة عميد الكلية وآمر الفوج المختص بيّن “وتوت” أن من المفترض قيام وزير الدفاع بتشكيل لجنة عسكرية لكشف الحقائق قبل الإقالة وعلى اللجنة المكلفة التي تشمل مديرة الاستخبارات العسكرية – المفتشية العسكرية اتخاذ القرار المناسب إما الإقالة او إحالتهم للقضاء وإن الإجراء الذي اتخذه القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بإعفاء رئيس الأكاديمية ومعاونه وعميد الكلية وأمر فوج المختص كان “صحيحا تماما” واختتم “وتوت” حديثه بالتأكيد على أن إحالة هؤلاء للإعفاء لا تكفي على خلفية تقصيرهم.
ومن زاوية أخرى جدير بالذكر أن الملتحق بالسلق العسكري عند اختياره هذا الخط عليه أن يتوقع الأسوأ كونه مجال يتطلب فيه القلب الميت والالتزام والانضباط بأدق معناه إضافة إلى قدرة تحمل عالية تحت أصعب الظروف وهذا ما جسده الممثل المصري الراحل حسن حسني في أحد أفلامه حين قال “يجب على الجندي تحمل ما لا يطاق في أوقات التدريب حتى يستطيع الصمود في أوقات الحروب” وكأن هذا المشهد عبارة عن رسالة مفادها أن العنف والقسوة مطلوبة وبشدة لإخراج جيل قادر على الدفاع ببسالة في وجه التدخلات الخارجية المقيتة وفلول الإرهاب المترصدة.
فهل تعد نظرية التدريب هذه عذرا لوزارة الدفاع والكلية أم أن الحدود تم تخطيها دون النظر إلى اعتبارات التدريب العالمية؟
الخبير الأمني العميد عدنان الكناني يجيب عن هذا السؤال بقوله إن مدربي الكلية العسكرية يعملون وفق منهج تدريبي خططي يقسم الوقت لمعرفة كيفية التعامل مع المقاتلين ولكل معلم ساعاته الخاصة بين التدريب البدني وتدريب السلاح وباقي التفصيلات لذا يجب الاطلاع على مناهج التدريب لمعرفة ما إذا كان العنف الحاصل ضمن سياقاته أم خارجها وهذا الأمر معنى باللجنة التحقيقية لتحقق من قرارات المدرب إن كانت اجتهادات شخصية فيجب أن يحال إلى محكمة عسكرية فليس من حق المعلم أن يجتهد بالتعامل خارج المقرر بالمنهج.
وركز “الكناني” على أن “عرق التدريب يقلل من دماء المعركة” فرقيب التدريب يُخرج مقاتلا جيدا يستطيع التعامل مع الظروف الصعبة بتركيز عالي فلو قارنا بين جهاز مكافحة الإرهاب وبقية المقاتلين الأبطال في معارك داعش الإرهابي فإن جهاز المكافحة سجل نسبة خسائر أقل بمراحل وهذا كان نتيجة التدريب.

وبعيدا عن مبدأ التدريب نفسه فيعد حدوث الفاجعة تم نقل المصابين بطريقة بدائية مؤلمة للنفوس كما أظهرتها مواقع التواصل علق “الكناني” بعبارة دامية مفادها “لو كنا أحرارا يجب أن يحاسب وزير الدفاع أولا ووضع رئيس أركان الجيش ومعاونه خلف القضبان ومحاسبة رئيس الأكاديمية العسكرية وآمر الفوج ووضعهم تحت مجهر التحقيق والعدالة لعدم تحليهم بالمسؤولية. وعن الإمكانيات التي يملكها العراق عسكريا تحدث “الكناني” أنه رغم وجود المنهج التدريبي المذكور سلفا إلا أن قواتنا العسكرية تحرم من التدريب الجبلي ما يجعلها غير قادرة على الدفاع في المناطق الجبلية على حد قوله.
أما عن الدفاع الجوي فانه “كذبة” والقوة الجوية عبارة عن عدد محدود من الطائرات المتهالكة ما يجعل سماء العراق مكشوفة لمن هب ودب وعلى هذا الأساس فإن الاستنتاج الوحيد الذي يمكن التوصل له مع استمرار المنظومة الدفاعية بهذا التهالك هو ما قاله “الكناني” بكل صراحة: الآن من يملك السلطة يجامل كثيرا على حساب سيادة العراق لأن بناء قوة تحمي الوطن من مهام القيادة.
وبعد سؤاله عن اللجان التحقيقية التي سبقت لمثل هكذا قضايا أكد أن بعض التحقيقات عبارة عن صك يصرف لبعض المحققين ويتم اسدال الستار عن القضية ويتهم الأشخاص الوطنيون بالتقصير مثل ما تم انتقاء افضل ضباط وزارة الدفاع وإحالتهم إلى التقاعد بينهم من يحمل شهادات خبرة عالية دولية إلا أن مشروع الإحالة لم يتم وتمكنا من إيقافه بعد خروج الوجبة الأولى المقدرة بـ 200 ضابط.
وفي ختام حديثه خاطب “الكناني” القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بقوله إن المناصب تباع وتشترى فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.
بين من يراهم مقصرين أمام القانون والإنسانية وآخر يجد فيهم نموذجا لإخراج جنود بواسل يبقى الحكم الأخير بيد اللجان فإما أن تعدم آمالهم وتدينهم أو تكون في صفهم أمام رأي عام مستعر لا يعرف لغة التبريرات.