هل تلوح في الأفق مصالحة أمريكية إيرانية بهدف مواجهة التنين الصيني؟

شارك الخبر

محمد الصادق – تتصاعد التكهنات في الأوساط السياسية والاستراتيجية حول إمكانية حدوث تحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران. فبعد عقود من العداء والتوترات الحادة، تطفو على السطح تحليلات تشير إلى أن واشنطن قد تكون بصدد تبني نهج أكثر براغماتية تجاه طهران، وذلك في سياق سعيها الحثيث لتركيز مواردها واهتمامها على التحدي المتنامي الذي تمثله الصين على الساحة الدولية.
هذا التحول المحتمل، الذي يبدو للوهلة الأولى مفاجئاً، يستند إلى عدة عوامل تدفع باتجاه إعادة تقييم الأولويات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فالتنافس المحتدم مع الصين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والنفوذ العالمي بات يشكل أولوية قصوى للإدارة الأمريكية، مما يستدعي إعادة توزيع الموارد والجهود الدبلوماسية والعسكرية.
إرهاق “الحروب الأبدية” وتغير الأولويات:
يُنظر إلى الانخراط الأمريكي المكثف في نزاعات الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين على أنه استنزاف للموارد والطاقة، دون تحقيق أهداف استراتيجية واضحة ومستدامة. ومع تصاعد التحدي الصيني، يبدو أن هناك إدراكاً متزايداً في واشنطن بضرورة تخفيف حدة التوترات في مناطق أخرى من العالم لتمكين الولايات المتحدة من التركيز على المنافسة مع بكين.
الملف النووي الإيراني كأداة وغاية:
يمثل برنامج إيران النووي نقطة خلاف جوهرية بين البلدين. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن الإدارة الأمريكية قد تتحول إلى تبني استراتيجية جديدة ترى في الحوار المباشر وربما تقديم تنازلات محدودة، وسيلة لضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي، بدلاً من الاعتماد فقط على سياسة العقوبات التي لم تمنع طهران بشكل كامل من تطوير برنامجها. تحقيق تقدم في الملف النووي قد يفتح الباب لتخفيف التوترات في ملفات أخرى عالقة.
تحولات إقليمية ودولية تفرض واقعاً جديداً:
يشهد الشرق الأوسط إعادة تشكيل في التحالفات وظهور قوى إقليمية تسعى لتوسيع نفوذها. في هذا السياق، قد تجد الولايات المتحدة أن الانفتاح على إيران، ولو بشكل محدود، يمكن أن يساعد في تحقيق توازن إقليمي جديد يخدم مصالحها، أو على الأقل يمنع تفاقم الصراعات التي قد تستنزف مواردها. دولياً، تسعى واشنطن إلى بناء تحالفات واسعة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد، وقد ترى في تحقيق استقرار نسبي في علاقاتها مع قوى إقليمية مثل إيران خطوة ضرورية في هذا الاتجاه.
مؤشرات على تغير محتمل:
على الرغم من استمرار الخطاب الحذر بين واشنطن وطهران، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي قد تدل على تحول تدريجي في النهج الأمريكي:
* استمرار القنوات الدبلوماسية: بقاء قنوات اتصال مفتوحة، ولو غير مباشرة، بين البلدين حول قضايا مثل تبادل الأسرى والملف النووي، يشير إلى رغبة في إدارة الأزمات ومنع التصعيد.
* التركيز على خفض التوتر: يبدو أن هناك توجه أمريكي نحو تجنب الانجرار إلى صراعات جديدة في المنطقة والتركيز على خفض حدة التوترات القائمة.
* براغماتية المصالح: في بعض الملفات المحدودة، قد تتلاقى مصالح البلدين بشكل تكتيكي، كما هو الحال في مكافحة بعض التنظيمات المتطرفة، وهو ما قد يفتح آفاقاً لتفاهمات مرحلية.
تحديات جمة تعترض الطريق:
إلا أن تحقيق مصالحة حقيقية بين الولايات المتحدة وإيران يواجه عقبات وتحديات كبيرة. فالعقود من انعدام الثقة والعداء العميق، بالإضافة إلى الخلافات الجذرية حول السياسات الإقليمية ودعم طهران لجماعات تعتبرها واشنطن تهديداً، تجعل أي تقارب أمراً بالغ الصعوبة. كما أن الضغوط التي تمارسها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية، للحفاظ على موقف متشدد تجاه إيران، تشكل تحدياً إضافياً أمام أي إدارة أمريكية تسعى لتغيير هذا النهج.
الخلاصة:
إن فكرة المصالحة الأمريكية الإيرانية بهدف التفرغ لمواجهة الصين تمثل تحولاً استراتيجياً محتملاً يحمل في طياته منطقاً معيناً في ظل تغير الأولويات الأمريكية. إلا أن تحقيق هذا السيناريو يتطلب تجاوز عقبات تاريخية وسياسية عميقة. من المرجح أن تشهد المنطقة في المدى القريب سياسة أمريكية تجمع بين إدارة التوتر مع إيران والتركيز المتزايد على التحدي الصيني، مع بقاء احتمالات حدوث انفراجات محدودة أو تفاهمات تكتيكية قائمة. يبقى السؤال حول ما إذا كانت الضرورات الاستراتيجية ستنجح في نهاية المطاف في تذليل العقبات وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن وطهران.